29 - 06 - 2024

اقرأني لتراني | ذكريات أولى ثانوية عامة(3)

اقرأني لتراني | ذكريات أولى ثانوية عامة(3)

(أرشيف المشهد)

  • 19-8-2015 | 16:55

كان المتوقع من أوائل الثانوية العامة القسم الأدبى فى اواخر الثمانينيات أن يلتحقوا بكليات القمة وقتها، إما الإعلام أو السياسة والإقتصاد. لم تكن أى من الكليتين من أحلامى. كان حلمى الذى تبلور فى المرحلة الثانوية هو دراسة اللغات ، رغبة قديمة فى معرفة الشعوب الأخرى ودراستها عن طريق أدق وأجمل ما فيها: الأدب. كنت مفتونة بحركات الترجمة والاحتكاك الثقافى بين الشعوب، وكانت رغبتى ان ألتحق بكلية الألسن فى القاهرة.

بكى أبى لأول مرة! أبى، الجبل الشامخ، رجل المهمات الصعبة، خريج جامعة القاهرة فى الخمسيينيات وجدته مهزوزاً لفكرة أن تترك إبنته حضنه وتعيش فى القاهرة! وقفت فى صفه أمى، خريجة جامعة القاهرة ايضاً التى تتلمذت على يد طه حسين. كلاهما أشفق علىّ من تجربة الغربة وحشدا الحجج لإقناعى أن كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية فى أقرب جامعة وهى جامعة طنطا هى البديل الصحيح والسليم لى من كليات القاهرة، بما فيهم الجامعة الأمريكية التى قدمت لى منحة مجانية للدراسة! قالا ان الغربة مضناة، وأنه لاراحة إلا فى بيت الإنسان، وأن اجمل شيء أن أكون فى حضنهما آخر الليل، وأن راحتى فى بيتى ستؤمن لى التفوق بقية حياتى الدراسية ووو..كلام كثير بدا مقنعاً ودوافعه نبيلة. كانت منى ذات السبعة عشر عاماً لاتملك من الخبرة ولا وضوح الرؤية ما يكفيها لتتخذ قراراً مخالفاً، وكانت الأيام الثلاث المفزعة التى قضيتها فى العاصمة وقت النتيجة فى خلفية ذهنى وانا أستعرض كلمة "القاهرة" فى خيالى صحواً وقياماً، لم أكن أعرف عن الجامعة الأمريكية شيئاً ولم يكن هناك فى محيط علاقاتى أى من خريجيها لأسأله ولم تكن بالطبع ثورة المعلومات قد بدأت لأسترشد بها. بدا كل شئ مرهقاً وغامضاً وكان وجهى أبوى القلقين فى إنتظار قرارى يصاحبانى ليلاً ونهارا ويصعبان الأمر على. ً

آداب طنطا إذن!

 أتخيل الآن ان الدولة كان لابد لها من التدخل، ربما كان عليها جمع الأوائل وأهاليهم فيما يشبه الرابطة وإعطائهم توجيهات ونصائح للمستقبل، ومراعاتهم فى سنواتهم المقبلة بما يؤمن لهم استمرار الازدهار، ودراسة حالاتهم وتوفير أفضل الفرص لكل واحد منهم. تكونت رابطة بعدها بحوالى  13 سنة على يد حسين كامل بهاء الدين، احتفلنا فيها عدة مرات وتناولنا العشاء وأخذنا الكثير من الصور التى إنتشرت فى الإعلام وإنتهى الأمر عند هذا الحد!!

جاء موعد كتابة إستمارة التنسيق. ورقة نلصق عليها طوابع بأسماء الكليات المرغوبة. ذهبت إلى مكتب التنسيق بالإستمارة وعليها رغبة واحدة: آداب طنطا! لكننى فوجئت بالموظف يقول لى عفواً لابد من إستكمال 48 رغبة! " يا سيدى! انا أولى الثانوية العامة القسم الأدبى هذا العام، ألا تعرفنى؟ أى رغبة أريدها ستلبى لى بطبيعة الحال!!"

" أعرفك وكنا بإنتظارك، لكن لا مفر من إستكمال بقية الرغبات!"

وقفت أنا وأخى على الشباك نستكمل بقية الرغبات بعد الرغبة الأولى كما يحلو لنا. وضعنا مما وضعنا هندسة إلمنيا وطب أسيوط وصيدلة القاهرة!!

مقالات اخرى للكاتب

فى رثاء الخالة: متلازمة الصدمة





اعلان